الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام

في منتصف رمضان في السنة الثالثة للهجرة ولد الإمام النوراني الحسن بن علي عليه السلام (1).. ومضى الحسن بن علي عليه السلام وهو ابن سبع وأربعين سنة وكان بين أبي محمد الحسن عليه السلام وبين أبي عبد الله الحسين عليه السلام طهر وحمل وكان حمل أبي عبد الله عليه السلام ستة أشهر ولم يولد لستة أشهر غير الحسين و عيسى بن مريم عليهما السلام .. هذا وقد أقام أبو محمد الحسن مع جده رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع سنين و أقام مع أمير المؤمنين ثلاثين سنة . (2)

… و الإمام بعد أمير المؤمنين عليه السلام ابنه الحسن ابن سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين … كنيته عليه السلام أبو محمد، ولد بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة ، وجاءت به فاطمة إلى النبي عليه وآله السلام يوم السابع من مولده في خرقة من حرير الجنة كان جبرائيل عليه السلام نزل بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسماه حسنا وعق عنه كبشا ، وكان الحسن أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم خلقا ، وسؤددا وهديا ، روى ذلك جماعة منهم معمر عن الزهري عن أنس بن مالك قال : " لم يكن أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي عليهما السلام " (3)

… عن عقبة بن الحارث قال : " رأيت أبا بكر رضي الله عنه وقد حمل الحسن وهو يقول: "بأبي شبيه بالنبي ليس شبيها بعلي ، وعلي يضحك " (4)

.. وكان الإمام الحسن كما أسلفنا هو أول البوابات السيادية في آل البيت عليهم السلام بعد رحيل أمير المؤمنين علي واستشهاده وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين (5) وهو وأخيه الحسين " ريحانتي رسول الله : " هما ريحانتي من الدنيا " (6)



.. حدثنا البراء بن عازب قال : رأيت الحسن بن علي على عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " اللهم إني أحبه فأحبه " (7)

وقد شكل الإمام النوراني السيد الحسن بن علي أبا محمد عليه السلام… أول الفرح لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فرحه بزواج السيدة الزهراء عليها السلام ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " ما رأيت الحسن قط إلا فاضت عيناي دموعها وذلك انه اتى يوما يشق حتى قعد في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول بيديه هكذا في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح فمه ثم يدخل فمه في فمه ويقول : " اللهم إني أحبه فأحبه " يقولها ثلاث مرات " (

وقال صلى الله عليه وسلم : " من أحبني فليحبه " (9)

فالحسنين هما أشبه بالتوأمين في الخلق والولاية والشهادة … وكلاهما حملا مشروع المواجهة والشهادة … وكانت السيدة الزهراء عليها السلام قد أتت بابنيها الحسن والحسين إليه صلى الله عليه وسلم في شكواه التي توفي فيها فقالت : " يا رسول الله ، هذان ابناك ورثهما شيئا "، فقال : " أما الحسن فإن له هديي وسؤددي ، وأما الحسين فإن له جودي وشجاعتي " (10)

وكان الحسن بن علي وصي أمير المؤمنين صلوات الله عليهما على أهله وولده وأصحابه ووصاه بالنظر في وقوفه وصدقاته وكتب له عهدا مشهورا ووصية ظاهرة في معالم الدين وعيون الحكمة والآداب وقد نقل هذه الوصية جمهور العلماء واستبصر بها في دينه ودنياه كثير من الفقهاء ، ولما قبض أمير المؤمنين عليه السلام خطب الناس الحسن عليه السلام وذكر حقه فبايعه أصحاب أبيه على حرب من حارب وسلم من سالم .

… ومما قال في خطبته : " أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، أنا ابن السراج المنير ، أنا من أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا أنا من أهل بيت افترض الله حبهم في كتابه فقال عز وجل : { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا } فالحسنة مودتنا أهل البيت "

بويع بالخلافة في الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، فرتب العمال وأمر الأمراء وانفذ عبد الله بن عباس إلى البصرة ونظر في الأمور(11) وما أن علم معاوية بالخبر حتى دس له الرجال وبدأ له بالمؤامرات وكتب له الحسن رادا على سياسته الجديدة القديمة!!

" أما بعد فإنك دسست الرجال للاحتيال والاغتيال وأرصدت العيون كأنك تحب اللقاء (12)

.. وقد ولي الخلافة بعد مقتل أبيه علي عليه السلام وكان قتل علي لثلاث عشرة بقيت من رمضان من سنة أربعين وبايعه أكثر من أربعين ألفا ، كانوا قد بايعوا أباه على الموت وكانوا أطوع للحسن وأحب له ، وبقي نحو سبعة أشهر خليفة بالعراق وما وراءه من خراسان والحجاز واليمن وغير ذلك " … ولم يترك معاوية وآل أبي سفيان الثورة والإسلام يمضيان ولكنها سنة الله في المفسدين،إتجه معاوية إلى الحسن … " من الشام وسار هو إلى معاوية فلما تقاربا علم أنه لن تغلب إحدى الطائفتين حتى يقتل أكثر الأخرى " فأرسل إلى معاوية يبذل تسليم الأمر إليه، على ان تكون له الخلافة بعده ، وعلى ألا يطلب أحدا من أهل المدينة والحجاز والعراق بشيء مما كان أيام أبيه – فأجابه معاوية إلى ما طلب " (13)

رغم أن الأمويين ومعاوية قد ضربا الإسلام بخنجر قاتل في قلبه …

كان الإمام الحسن حريصا على وحدة الأمة ودماء الإسلام والمسلمين التي كان يرصدها في معركة حتمية مقبلة أكدها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل رحيله ، فكان معاوية خادعا دمويا وكان الإمام الحسن حريصا ألا يتواصل نزف الدم … فمشروع أهل البيت متواصل .. وكان يعمل بوصية أبيه أمير المؤمنين " لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين " وكانت وصيته توحيد الأمة (14)

إن زمن الإمام الحسن في الولاية إنما يشكل حالة الانكسار في ولاية أهل البيت بعد استشهاد أمير المؤمنين علي عليه السلام بصعود تيار الثورة الأموية المضادة والمبنية على أسس الغدر والدهاء والاغتيال الدموي !! هذا في زمن التراجع الـثـوري والـطهـر الإيـماني الذي دفع إلـى الـتـوقف والــسلامة ودفعه إلى الهدنة والصلح مع معاوية على أسس جديدة ، يعلم الإمام الحسن أن آل أبو سفيان فيهــا ما اعتادوا



إلا الخديعة و الغدر ولم يكن مفرا إلا من الهدنة لدرء الدماء – غير أن معاوية تقدم بعد أن أستتمت الهدنة على ذلك وسار حتى نزل بالنخيلة فخطب بالناس قائلا: "وإني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا ، إنكم لتفعلون ذلك ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم ، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون ألا وأني كنت منيت الحسن وأعطيته أشياء ، وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له "

…ثم سار حتى دخل الكوفة فأقام بها أياما فلما استتمت البيعة له من أهلها صعد المنبر وخطب وذكر أمير المؤمنين عليه السلام فنال منه ونال من الحسن والحسين وكانا حاضرين، فقام الحسين ليرد عليه فأخذ بيده الحسن و أجلسه ورد عليه القول: " أيها الذاكر عليا – أنا الحسن و أبي علي، وأنت معاوية و أبوك صخر، وأمي فاطمة وأمك هند ، وجدي رسول الله وجدك حرب ، وجدتي خديجة وجدتك قتيلة ، فلعن الله أخملنا ذكرا و ألأمنا حسبا و شرنا قدما وأقدمنا كفرا ونفاقا " فقالت طوائف من المسجد آمين آمين (15)

وبعد أن استتب الأمر لمعاوية رحل الإمام الحسن إلى المدينة ، وعندما عزم معاوية التولية ليزيد -…( فدس إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس – وكانت زوجة الحسن عليه السلام – من حملها على سمه .. فسقته جعدة السم فبقي عليه السلام مريضا أربعين يوما ومضى شهيدا مغدورا – في صفر سنة خمسين من الهجرة وله يومئذ ثمان واربعون سنة ، فكانت خلافته عشر سنين وتولى أخوه ووصيه الحسين بن علي عليه السلام دفنه وتكفينه ، وقال الحسن عليه السلام : " لقد سقيت السم مرارا ، ما سُقيته مثل هذه المرة ، لقد لفظت جزء من كبدي ، فجعلت أقلبها بعود معي " (16)

وهكذا بدأ الخليفة الملكي الجديد أول انقلاب عسكري في تاريخ الإسلام والمنطقة وأزاح الشورى والولاية وقتل مشروع وصية النبي لأهل البيت عليهم السلام .. وهذه أقواله المشهورة في الحكم القهري الملكي في أبشع صور التزوير !!

" يا أهل العراق أترون أني إنما قاتلتكم لأنكم لا تصلون ، والله أني أعلم أنكم تصلون ، أو انكم لا تغتسلون من الجنابة ولكن قاتلتكم لأتامر عليكم فقد أمرّني الله عليكم " (17)

… وهكذا قفز معاوية على منبر رسول الله بالمدينة ليضع أول أنموذج وراثي قهري للأمة في مواجهة مشروع أهل البيت المقبل ؟ قال أبو سعيد : قال رســول

الله صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيتم فلانا يخطب على منبري فاقتلوه " رواه جندل بن والق عن محمد بن بشر فسمى معاوية (18)

… وعن أبي الوداك عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه " وفي رواية أخرى " إذا رأيتم معاوية على منبري فارجموه " " إذا رأيتم معاوية على هذه الأعواد فاقتلوه"(19)

…وقد وصى معاوية لابنه السكير يزيد بالخلافة بعد أن صفى حسابات الغدر والاغتيال للإمام الحسين وقال مخاطبا أولاده وبنيه : " يا بني ، إنكم تجار قوم لا تجارة لهم غيركم ، فلا تكونوا تجار أربح منكم فإذا أدنى ما يرجع الخائب عنكم تخطئة ظنه فيكم " (20)

وبهذا اختلطت الأمور وعمّ الزيف محل الحق واليقين ، وأفرزت الجمل وصفين المأساة على المسلمين ..وصار الأمر إلى الملوك بفعل الغدر والطاغوت ، وغاب الرأي السديد في المعمعة الجديدة … فالأمر ليس جديدا في وجه الحسن والحسين عليهما السلام ، إنما هذا المنهج هو رحلة الإمام علي وأهل البيت عليهم السلام في وجه الزيف والملكية (21)

صعد الإمام علي ونزل عن منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب بها ابن أكلة الأكباد " .

وقد روي عن الإمام علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت أربعين ليلة ، دعا على حي من أحياء العرب وقال علي عليه السلام لا أزيد على قنوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقنت أربعين ليلة يدعو على معاوية بن أبي سفيان ..(22)

وهكذا عاش الإمام النهاية والمأساة في غياب رسالة العدل التي ابتغاها وطرح معاوية وأبيه مشروعهم الملكي الذين طمعوا فيه منذ زمن وغلبت روح الحقد على المثل الإنسانية والرسالية!!

فعـن أبـي إسـحاق عـن الأسـود بن يزيد قال : قلت لعائشة رضي الله عنها: " ألا تعجبين لـرجـل مـن الـطـلـقاء ينازع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الخلافة ؟" قالت: "وما تعجب من ذلك ؟ هو سلطان الله يؤتيه البر والفاجر ، وقد ملك فرعون أهل مصر أربع مائة عام " …

وتواصل معاوية وقفز على المنبر مرددا : " أيها الناس ، ومن كان أحق بهذا مني، وهل بقي أحد أحق بهذا الأمر مني " (23) وبهذا كان يجسد معاوية فك المؤامرة..

.. جاء أبو مسلم الخولاني وأناس معه إلى معاوية فقالوا له: أنت تنازع عليا، أم أنت مثله؟ فقال: لا والله أني لأعلم أن عليا أفضل مني وأنه لأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما وأنا ابن عمه؟ وإنما أطلب بدم عثمان.. الرواية"(24)

هذه الصورة البشعة التي طغى عليها الزيف هي التي ورثها الإمام الحسن عليه السلام بعد اغتيال أمير المؤمنين واستشهاده، وبدأ معاوية يتحدث عن التقوى في صورة جديدة: " أيها الناس: اتقوا الله فإنه لا يقين لمن لا يتق الله "، وكان نقش خاتمه ( لا حول ولا قوة إلا بالله) (25) .

…وكان جوهر التقوى ونهاية ملفها هو الغدر الثاني بالإمام الحسن وقتله شهيدا بالسم كما أجمع أغلب المؤرخين ، لتبدأ رحلة جديدة مع الإمام الحسين في وجه الطاغية يزيد عليه لعنة الله ؟

... كان بنو أمية هم فتنة الأمة الحقيقيين في دينهم وابتلائهم في عقيدتهم! وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحسنين سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من أحبهما فقد أحبني ومن ابغضهما فقد أبغضني " (26) فكيف بالغدر والاغتيال الدموي ؟؟ وقد نسي معاوية وغلمانه دين محمد صلى الله عليه وسلم كما نسيا أجمعين وصيته صلى الله عليه وسلم بآل البيت وولايتهم فالحرب هي حرب قديمة مع النبوة وهي الأصل في الهدف!